الخيال ضروري في قراءة المستقبل.. الخيال المستند إلى مقدمات في الواقع.. وإلى قراءة التاريخ مع وضع الفروق الأساسية في الحسبان.
في مقال نشره موقع "شبكة سي بي -نيوز" الأمريكية يتذكر الباحث
والكاتب ريتشارد أنجيل مشهد مئات الآلاف من الناس في الشوارع.. حشود تطالب
بوضع حد للفساد والمحسوبية والبطالة والظلم الذي وقع عليهم بسببه،
والمتظاهرون يرفعون بقناعة راسخة شعار "الإسلام هو الحل والإسلام سيحقق
العدل".. كان المشهد من الثورة الشعبية في إيران عام 1979، ونحن جميعا نعرف
ما آلت إليه الأمور، أصبح الثوريون الإيرانيون أكثر تشددا وعدوانية، ومنذ
ذلك الحين عانت إيران من العزلة.. اليوم.. عندما يرى كبار السن من
الإيرانيين ما يحدث في مصر الآن يقولون "يبدو المشهد كما لو كنا قد رأيناه
من قبل"...
وبعد أن انتهى الكاتب من المقارنة السريعة بالماضي ينتقل إلى الحاضر المصري.. ليتقرح 4 سيناريوهات محتملة:
تبدو جماعة الاخوان المسلمين كما لو كانت في الصدارة في أول
انتخابات حرة في البلاد، وشعارها هو أيضا "الإسلام هو الحل"، وإذا سيطرت
على مصر ستحدث تغييرات عميقة في المنطقة كلها، كما كان حال إيران بعد تولي
الإسلاميين السلطة فيها، ونحن الآن أمام مرشحين للرئاسة على أقصى درجات
الاختلاف: أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، ومرشح الإخوان محمد
مرسي، وأيا كان الفائز ستتجه البلاد إلى مسارين مختلفين تماما.
سيناريو فوز شفيق
إذا فاز شفيق ستثور جماعة الإخوان، وتدعي تزوير الانتخابات، وتنزل
في مظاهرات احتجاج إلى الشوارع، والثوار الذين لا يريدون الإخوان أو شفيق
سينزلون إلى الشوارع أيضا ويحاولون إعادة احتلال ميدان التحرير، ويدعون إلى
ثورة جديدة، على أمل إجراء انتخابات جديدة، وهنا سيسعى شفيق لإنهاء
المظاهرات، وستقع أحداث عنف، ويسقط مزيد من الضحايا، ولن يتردد شفيق في
استخدام القوة، فهو قد أعلن بالفعل أنه سيسحق المعارضة، خاصة بعد أن أصبح
يملك تفويضا من الناخبين كرئيس شرعي منتخب، فماذا سيكون رد فعل الولايات
المتحدة؟ هل ستصدر إدانات حقيقية؟.. الثوار المتعلمون من أبناء الطبقة
الوسطى أنهم يواجهون ديكتاتورا جديدا أسوأ من مبارك، ومن المحتمل أن تعمل
"خلايا إسلامية" في الخفاء، تنفذ تفجيرات وهجمات من شأنها أن تنزع الشرعية
عن "الثورة الديمقراطية"، ولكن هل يستطيع شفيق أن ينتصر ويستعيد النظام؟ أم
ينجح الثوار وجماعة الإخوان في ثورة تحرير أخرى؟ إذا انتصر شفيق سيكون
المصريون قد هزموا أنفسهم بانتخاب رجل ضد الثورة التي قاتلوا من أجلها،
وسيكون المصريون قد أعطوا أصواتهم لشخص يخشى كثيرون من أنه سيكون مثل
مبارك، وسيعتقد كثير من المصريين أن الثورة الديمقراطية ستفشل إذا أصبح
شفيق رئيسا.
سيناريو فوز مرسي
إذا فاز مرسي وجماعة الاخوان سيصبح الجيش في موقف دفاعي، وسيقاتل
كبار ضباط حتى لا يتم إزاحتهم من وظائفهم، وسيعاني المسيحيون والنساء بشدة،
فالإخوان في جوهرهم جماعة سلفية أصولية تركز على تطبيق الشريعة الاسلامية
والآداب العامة، وفي الخطاب السياسي الراهن يبدو أن هناك تباينا بين
السلفيين والإخوان، لكن الفروق ليست كبيرة كما يبدو، والسلفيون أصوليون
يضبطون حياتهم وفقا للتعاليم الدينية، ويرفضون غير المسلمين ويدعون إلى
قواعد أخلاقية صارمة مستمدة من الشريعة الإسلامية، وهم في غالبيتهم ينتمون
إلى الطبقات الفقيرة، ويربطون بين الفقر والزهد والنقاء الأخلاقي، وينفرون
من إغراءات الثروة وفجرها، ومنهم من يبيتون ليلهم داخل المساجد، وهم عموما
ليسوا منظمين سياسيا، وقد بدأت جماعة الإخوان المسلمين كحركة سلفية تدعو
إلى مكارم الأخلاق وتنهى الآخرين عن المفاسد.
لكن الإخوان على عكس السلفيين يحترفون السياسة، وهم عمليون ولديهم
متبرعون من الأثرياء، ويعتقد الإخوان أن أفضل طريقة لتطبيق الشريعة
الاسلامية هي الاستيلاء على السلطة من خلال السيطرة بشكل تدريجي على مؤسسات
الدولة.
فوز مرسي برئاسة الدولة سيكون كارثيا بالنسبة للمرأة المصرية، وربما
تدفع الثمن من حياتها، فختان الإناث يمارس في مصر منذ فترة طويلة، وفي
التسعينات خضع 97 في المئة من الإناث للختان، لكن السنوات الأخيرة من حكم
مبارك شهدت تجريما للختان، فانخفضت نسبة الختان أكثر من الثلث بعد حظره عام
2008، لكن جماعة الإخوان أعلنت خلال حملاتها الانتخابية إنها تريد ألغاء
الحظر على ختان الإناث، وخفض السن القانونية لزواج المرأة إلى 14 ووتقييد
شروط خلع الزوجة لزوجها.
ويخشى كثير من المسيحيين في مصر على مستقبلهم في ظل حكم الإخوان،
ورغم أن الجماعة ذهبت إلى حد الإعلان أنها لن تضطهد المسيحيين لا يصدقها
سوى عدد قليل جدا من الأقباط، ومنهم من يتوقع أن يجبرهم الإخوان – كما كان
يحدث قديما في ظل الحكم الإسلامي- على دفع "الجزية" إلى الحاكم مقابل
حمايتهم وضمان حقوقهم في المجتمع، وقد أعلن كثير من المسيحيين أنهم
سيغادرون مصر إذا فاز الإخوان، وقال آخرون إنهم سيبقون في بلدهم ويكافحون
من أجل حقوقهم.
سيناريو استمرار الصراع
الجيش لديه ورقة واحدة رابحة، وهي أنه لا يوجد دستور حاليا، فقد تم
تعطيله خلال الثورة على مبارك ولم تتم صياغة دستور جديد، وبدون الدستور
ستكون سلطات الرئيس الجديد غير واضحة، وإذا فازت جماعة الاخوان – صاحبة
الأغلبية الساحقة في البرلمان حاليا – بمنصب الرئاسة ستحاول صياغة وتمرير
الدستور الجديد بأسرع ما يمكن، وستصبح السيطرة على العملية الدستورية ذات
أهمية حاسمة في الشهور المقبلة.
وفي النهاية هناك احتمالان واضحان للغاية، إذا فاز شفيق ستحدث
احتجاجات وسيحاول قمعها، وستحدث أعمال عنف، وعندما يندلع العنف يصعب التكهن
بالنتائج، وإذا فاز مرسي سيفرض الإخوان الشريعة الاسلامية تدريجيا،
وسيحاولون إحباط الانقلاب العسكري بتطهير الجيش وكتابة الدستور بسرعة،
وسيكون المسيحيون والنساء أكبر الخاسرين.
وفي كلتا الحالتين ستكون الشهور القليلة المقبلة حاسمة في كما كان
الحال تماما في إيران عام 1979، التغيير قادم لكن الطريق الذي ستير فيه مصر
والشرق الأوسط من غير واضح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق